U3F1ZWV6ZTU1ODMyMTM5Mzk0OTkwX0ZyZWUzNTIyMzc0MTM4MzY2OA==

الشبة بين المهدي المنتظر وسيدنا موسى


شبهه بنبيّ الله موسى (عليه السلام) في خفاء مولده وغيبته:

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «في القائم (عليه السلام) سُنَّة من موسى بن عمران (عليه السلام)».

فقلت: وما سُنَّته من موسى بن عمران؟

قال: «خفاء مولده، وغيبته عن قومه».

فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟

فقال: «ثماني وعشرين سنة». كمال الدين 152

وهذه الرواية الشريفة مضمونها يوجب أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) له سُنَّة كسُّنَّة نبيِّ الله موسى (عليه السلام)، وهي الغيبة، فلا بدَّ من القول بمقتضى هذه النص وهذا التشابه أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) حيٌّ ولكنَّه غائب كغيبة موسى عن قومه.


وللتوضيح نقول:

إنَّ غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) مسبوقة بمثلها عند الأولياء السابقين، فالروايات الشريفة تدلُّ على عدَّة أُمور حصلت مع النبيِّ موسى (عليه السلام) كالخوف والغيبة وخفاء الولادة، فالرواية الأُولى: «وأمَّا من موسى فالخوف والغيبة»، والرواية الثانية: «وأمَّا شبهه من موسى (عليه السلام) فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته)، والرواية الثالثة: (خفاء مولده، وغيبته عن قومه)، وهو مع هذا كلّه كان حيّاً حاضراً؛ ولكنَّه غائب عمَّن في موطنه، وكذلك الإمام المهدي (عليه السلام) هو حيٌّ حاضر؛ ولكنَّه غائب عنّا لا نعرفه إذا رأيناه.

فكما أنَّ ظروف موسى (عليه السلام) اقتضت أن يكون غائباً عن الأنظار ولا يعرفه كثير من الناس أو كلُّ الناس إلَّا الخواصّ منهم، فكذلك الإمام صاحب العصر والزمان (عليه السلام)، وهذا هو مقتضى المشابهة الواردة في الأخبار المتقدِّمة.


وأمَّا الشبه بخفاء الولادة؛ فلأنَّ فرعون (لعنه الله) كان له علم مسبق من الكهنة والسحرة بأنَّ زوال ملكه ونهاية سلطانه سوف يكون على يد رجل من بني إسرائيل وهو النبيُّ موسى (عليه السلام)، فأراد إطفاء نور الله في أرضه بقتل الأولاد والناشئين من الذكور، وبقر بطون الحبالى، حتَّى لا يخرج المولود الذي سيُنهي ملكه، كما أشار القرآن الكريم حيث أكَّد على قضيَّة الاستتار وإخفاء الولادة خوفاً من السلطة الحاكمة.

ومنه يُعلَم وجه التشابه بين مولد نبيِّ الله موسى (عليه السلام) ومولد صاحب الزمان (عليه السلام)، فإنَّ الدولة العبّاسية شابهت سلطة فرعون في إرادة إهلاك من ذُكِرَ أنَّه سيُنهي ويزيل دولتهم حيث علموا من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّ الإمام الثاني عشر هو القائم والخاتم الذي يقوم بالسيف، وأنَّ حكومات الجور ستزول على يده، ففرضوا الجواسيس والعيون، واقتحموا البيوت للبحث عن ذلك المولود حفاظاً على الملك الدنيوي الزائل والملذّات الحقيرة الفانية.


ولمزيد التوضيح:

إنَّ الله سبحانه وتعالى قدَّر لنبيِّ الله موسى (عليه السلام) أن يعيش في بيت عدوِّه من خلال أمر أُمِّه أن تلقيه في النهر، فأخذه عدوٌّ لله وعدوٌّ له، قال تعالى: «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ» (القصص: ٧ و٨).

ولمَّا شبَّ وجرى ما جرى من قتل النفس الذي حكاه القرآن فقال سبحانه وتعالى: «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ» (القصص: ١٥)، اقتضى أن يغيب عن الأنظار، قال تعالى: «وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (القصص: ٢٠ و٢١).

فهذه الظروف اقتضت خفاء مولد نبيِّ الله موسى (عليه السلام) وغيبته، وأيضاً الظروف التي أحاطت بالإمام المهدي (عليه السلام) اضطرَّت لاستتاره بالولادة، واضطرَّته (عليه السلام) للغيبة عن الأنظار.

 

مواضيع قد تعجبك


تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة