أمّا التّوبةُ التي لم تنبع منَ القلبِ ولم تكُن تصديقاً وإقراراً بالحقِّ فهيَ ليسَت إلّا نفاقاً ومُخادعةً، ومِن هُنا لا تُقبلُ توبةُ المُجرمِ الذي لم تردَعه كلُّ السّبلِ عَن إجرامِه فإذا واجهَ الموتَ أظهرَ التّوبةَ خوفاً، والإمامُ المهديُّ (عليه السّلام) بما مكّنَهُ اللهُ قادرٌ على معرفةِ إن كانَت التّوبةُ خالصةً أم لا، مُضافاً إلى أنَّ التّوبةَ التي لا يترتّبُ عليها أثرٌ دنيويٌّ هيَ التّوبةُ على الذّنبِ في حقِّ اللهِ.
أمّا الذّنوبُ المُتعلّقةُ بحقوقِ العبادِ كمَن كانَ عليهِ قصاصٌ فإنَّ توبتَه لا تدفعُ عنهُ الحدودَ، فيقتصُّ منهُم الإمامُ المهديّ (عليهِ السّلام) حتّى لو أظهرُوا التّوبةَ، وإذا فهمنا ذلكَ يمكنُ أن نفهمَ الرّواياتِ التي أشارَت إلى عدمِ قبولِ الإمامِ المهديّ (عليه السّلام) التّوبةَ منَ البعضِ، وذلكَ لأنَّ بعضَ المُجرمينَ عليهم حقوقُ العبادِ وفي ذمّتهم مظالمُ لابدَّ منَ الإقتصاصِ لها في الدّنيا، أو أنّهم إستحكمَ الكُفرُ في قلوبِهم فلم يُظهروا التّوبةَ إلّا خوفاً منَ القتلِ، فمنَ الطّبيعيّ أن لا تُقبلَ توبتُهم لأنّها ليسَت توبةً في الحقيقةِ والواقعِ.
وقَد أشارَ تعالى إلى ذلكَ بقولِه: ( يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ ...) وجاءَ في تفسيرِ هذهِ الآيةِ عَن أبي جعفرٍ عليهِ السّلام قالَ: (إذا طلعَت الشّمسُ مِن مغربِها فكلُّ مَن آمنَ في ذلكَ اليومِ لم ينفعهُ إيمانُه) حيثُ جعلَت الرّوايةُ طلوعَ الشّمسِ منَ المغربِ الذي هوَ علامةُ ظهورِ الإمامِ المهديّ مصداقاً لهذهِ الآيةِ، أي إذا ظهرَ المهديُّ (لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ) وعنِ الصّادقِ عليهِ السّلام في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ يومَ يأتي بعضُ آياتِ ربِّك لا ينفعُ نفساً إيمانُها يعني خروجَ القائمِ المُنتظرِ منّا).
وعَن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام) قالَ : (ثمَّ ترفعُ الدّابّةُ رأسَها فيراها مَن بينَ الخافقينِ بإذنِ اللهِ عزّ وجلّ وذلكَ بعدَ طلوعِ الشّمسِ مِن مغربِها فعندَ ذلكَ تُرفعُ التّوبةُ فلا توبةَ تُقبَلُ ولا عملَ يُرفعُ (لَا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت فِي إِيمَانِهَا خَيرًا).
وفي تفسيرِ العيّاشي عَن زُرارةَ وحمران ومحمّدٍ بنِ مُسلم عِن أبي جعفرٍ وأبي عبدِ الله (عليهما السّلام) في قولِه : (يومَ يأتي بعضُ آياتِ ربّك لا ينفعُ نفساً إيمانُها، قالَ طلوعُ الشّمسِ منَ المغربِ وخروجُ الدّابّةِ والدّجّالِ، والرّجلُ يكونُ مُصِرّاً ولم يعمَل عملَ الإيمانِ ثمَّ تجيءُ الآياتُ فلا ينفعُه إيمانُه) وقَد ميّزَت هذهِ الرّوايةُ بينَ التّوبةِ الحقيقيّةِ والتّوبةِ التي تكونُ بدافعِ الخوفِ والنّفاقِ حيثُ قالَ الإمامُ (والرّجلُ يكونُ مُصرّاً ولم يعمَل عملَ الإيمان).
وعليهِ مَن كانَت توبتُه حقيقيّةً وخالصةً لوجهِ اللهِ ولَم يكُن في ذمّتِه حقوقُ العبادِ فإنَّ توبتَه مقبولةٌ إن شاءَ الله، وليسَ للتّوبةِ زمنٌ مُحدّدٌ فأبوابُ التّوبةِ مفتوحةٌ طالما في عُمرِ الإنسانِ بقيّةٌ، أمّا إذا أدركَهُ الموتُ فلا مجالَ للتّوبةِ في عالمِ البرزخِ أو يومِ القيامة.
تعليقات